أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله تعالى، عندما يحل يوم القيامة، ينزل للخدمة ليقضي بين الناس، وتكون كل الأمم جاثية، وأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قاتل في سبيل الله، ورجل غني، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول القارئ: بلى يا رب، فيقول الله: فماذا فعلت بما علمت؟ فيقول القارئ: كنت أقوم به طوال الليل والنهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا هو القارئ، فقد قيل ذلك. ويأتي صاحب المال، فيقول الله له: ألم أيسر عليك حتى لم تحتاج إلى أحد؟ فيقول الغني: بلى يا رب، فيقول الله: فماذا فعلت بما أعطيتك؟ فيقول الغني: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: إن فلانا هو الجواد، فقد قيل ذلك. ثم يأتي الشهيد في سبيل الله، فيقول الله له: ماذا قتلت؟ فيقول الشهيد: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا هو الجرئ، فقد قيل ذلك». ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه وقال: «يا أبا هريرة، هؤلاء الثلاثة هم أولئك الذين يتعرضون للنار يوم القيامة.
شرح الحديث:
هذا الحديث الشريف دليل قوى على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته في الآخرة وكذلك وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة:5]، فقد اقترنت العبادة والعمل بالإخلاص وكذلك قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»، فكل متوقف على صدق النوايا وإخلاص العمل لوجه الله، وليس من أجل حب الظهور والشهرة بين الناس.
هؤلاء الثلاثة الذين ذكروا في الحديث كانوا بين الناس، فهم أصحاب أثر طيب وأفعال صالحة. الأول هو قارئ للقرآن ومتعبد لله في الليل والنهار. الثاني هو جواد كريم يبذل ماله في الصدقة وصلة الرحم. لا يرفض المساعدة ولا يمنع المعطي. الثالث هو مجاهد ومقاتل في سبيل الله، استجاب لنداء “حي على الجهاد” وانضم إلى الصفوف الأولى. هؤلاء الثلاثة هم أولئك الذين تحرق بهم نار جهنم. لماذا؟ لأن نواياهم وعقيدتهم الداخلية فاسدة، على الرغم من أن أعمالهم الصالحة تؤهلهم لأعلى الجنان كالصديقين والشهداء، إلا أنها أدت بهم إلى قعر جهنم.
ما يستفاد من الحديث:
من الضروري أن يكون لدينا نية صالحة قبل تقديم العمل، وهذا هو أحد أهم شروط قبول العمل. إذا تعطلت النية، يصبح العمل بلا قيمة مهما كانت قيمة الأعمال الصالحة التي تمت. فالنية هي الأساس وتتمركز في القلب، وهو الذي لا يعلم به إلا رب العباد. فكم من عمل قليل رفع من شأن صاحبه ودخله الجنة، وكم من عمل كثير لم ينفع صاحبه بأي حسنة. فقد روى رسول الله لنا قصة الرجل الذي غفر الله له بسبب سقيه لكلب عطشان يلهث من شدة العطش. فقط بسبب إيمانه الصادق ونية صادقة فيما فعله، دخل الجنة وكان ذلك بفضل الله.