الرفق له أنواع عديدة، ويحث الدين الإسلامي الحنيف على ممارسة الرفق بجميع أشكاله، فالإسلام هو دين الرحمة والرفق ويشمل جميع المخلوقات. وبالنسبة للبشر، الرفق له أنواع طبيعية ومكتسبة، ورفق ذاتي ومتعدد، وسنوضح الفرق بين النوعين من خلال الاستشهاد بنصوص القرآن والسنة الشريفة .
الرفق الفطري والرفق المكتسب
فيما يتعلق بالرفق الفطري، فهو غريزة بشرية فطر الله الناس عليها وهو أمر مجبل عليه كل إنسان بقدرة الخالق ويوجد بداخل كل فرد مهما بلغ من الشدة والقسوة بما يظهر منه من أقوال وأفعال تتعارض مع مفهوم الرفق، وخلق الله البشر بطريقة متفاوتة فكل إنسان يحمل طباعا وأخلاقا مختلفة عن الآخر، فمن الناس من تظهر عليه صفة اللين في جميع أحواله، ومنهم من تظهر عليه الشدة والغلظة، وعلى هذا فنحن مطالبون بحسن الخلق الذي يتناسب مع الفطرة السليمة وعلينا كبح جماح أنفسنا فعلى كل فرد أن يطوع أخلاقه ويجعل منها فرسا يقوده ولا يكون كالذي حمل الفرس فوق رأسه فلا يستطيع تطويعه، ومن نجح في إلزام نفسه بالرفق واللين بعد مجاهدة وصبر فسوف يحصل على الرفق ويكون رفقه مكتسبا .
من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تؤكد وجود نوعين من الرفق، الرفق الغريزي والرفق المكتسب، قوله لأشج عبد القيس: “إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة.
قال: يا رسول الله، أنا أستفسر عنهما، أم الله جعلني عليهما
قال: (( بل اللهُ جَبَلَك عليهما )).
قال: الحمد لله الذي جعلني على خلقتين يحبهما الله ورسوله، وهذا حديث رواه أبو داود .
يعتبر هذا اعترافًا من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الأناقة والرفق واللطف وسائر الأخلاق الكريمة، بينما يوجد منها ما هو غريزي ومنها ما هو مكتسب .
أمثلة الرفق الغريزي
تعد غريزة الأمومة أحد أعظم أمثلة الرفق الطبيعي التي تظهر في جميع الكائنات الحية، سواء في الإنسان أو الحيوانات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: `جعل الله المؤمنين في الرحمة مائة جزء، فأمسك لنفسه تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها، خوفا عليه`، رواه البخاري ومسلم .
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الله خلق يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ مئةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمةً، فبها تَعْطِفُ الوالدةُ على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ، فإذا كان يوم القيامة أكملَها بهذه الرَّحمة )) رواه مسلم .
: في ظل المصالح الدنيوية، الإنسان قد يغفل عن المعنى الأصلي للرفق واللين، وبالتالي يحتاج إلى التذكر، ومن أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: سمع صوت خصوم يتشاجران بصوت عال قرب الباب، وكان الأحدهما يستغل الآخر، ويحاول إغرائه بشيء ما وهو ينكر ذلك، فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهما وسأل: “أين الشخص الذي يتحلى بالتواضع والرفق واللين؟” فأجاب أحدهما بأنه هو، ولأن هذا الخلق محبوب لله، واخرجه البخاري ومسلم .
ومعنى قولها: يعني التعبير (( إذا أحدُهما يَسْتَوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُه )) أن يطلب أحدهم من الآخر أن يُخفِّض عنه بعض الديون ويُساعِدَه في سداد المطالبات .
(( فله أيُّ ذلك أحبَّ )) أي: من الوَضْعِ أو الرِّفْق .
وقوله قال ابن حجر: يتحدث هذا الحديث عن الحث على الرفق بالغريم وإحسان المعاملة معه وتجنب الظلم والإيذاء .
وشرع الله على لسان رسوله الشفاعة والرفق بالخصم ومن الأحاديث الدالة على ذلك : عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن زوج بَرِيرةَ كان عبداً يقال له: مُغِيثٌ، كأني أنظر إليه يطوفُ خلفَها يبكي، ودموعُه تَسيلُ على لحيته، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبَّاس: (( يا عَبَّاس، ألا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرةَ مغيثاً )).
فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( لو راجَعْتِهِ )).
قالت: يا رسول الله تَأْمُرُني؟
قال: (( إنما أنا أشفع )).
قالت: لا حاجةَ لي فيه. رواه البخاري .
وقال بن حجر في ذلك : في هذا الحديث يُنصح باستحباب شفاعة الحاكم في التعاطف مع الخصم، إذ لا يوجد ضرر ولا إلزام ولا لوم على من يخالف، ولا يثير غضباً، حتى لو كانت قيمة الشفيع عالية .
أمثلة الرفق
الرفق بالنفس في أداء ما فرض عليها
يجب عدم التشدد والمبالغة في الأمور، وذلك لأن الإسلام دين يسير ولا يحمل الإنسان ما يزيد عن طاقته .
قال ابن القيم: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تكثيف الممارسة الدينية بزيادة عن المقدار المشروع، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن تكثيف العبد لنفسه هو السبب في أن يكون الله قاسيا عليه، إما بالقدر المحدد وإما بالأحكام الشرعية. فالتكثيف بالأحكام الشرعية: كما يتعهد بنفسه بالنذر الثقيل، فيجب عليه الوفاء به، وبالقدر كأفعال الأشخاص الذين يعانون من الوسواس. فإنهم أكثروا من التكثيف على أنفسهم فزاد الله عليهم من القدر، حتى تحققت هذه الحالة وأصبحت صفة ثابتة لهم) .
الرفق مع عامة الناس
يجب التعامل مع الناس بالسماحة واللين، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: `إن المؤمنين هينون لينون، كالجمل الأنيف` .
الرفق بالرعية
يجب أن يقوم كل مسؤول بواجبه في العناية برعاية الناس ومراعاة مصالحهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: `اللهم من ولاهمرة من أمر أمتي، وشق عليهم، فاشق عليه، ومن ولاهمرة من أمر أمتي، ورفق بهم، فارفق به` .
الرفق بالمدعوين
وذلك باتباع أسلوب الرفق بالدعوة للدين وما شابه قال تعالى : (( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) [النحل: 125] .
الرفق بالخادم والمملوك
فيجب على كل مالك الاهتمام بممتلكاته، وتزويدها بالطعام والملبس والعناية بها، وعدم إرهاقها بالأعمال التي لا تطيقها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((للمملوك طعامه وكسوته بحسب العرف، ولا يجبر على العمل إلا ما يتحمله))، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
الرفق بالحيوان
الحيوان يشعر كمانحس بذلك ويجب أن نتعاطف معه ونطعمه ونسقيه ونحميه من الأذى. عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: `فيما يمشي رجل وتشتد عليه العطش، فنزل بئرا وشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل التراب من العطش، فقال: `إن هذا وصل إلي مثل ما وصل إليكم، فملأ خفه بماء وأمسكه بفيه ثم رقى وسقى الكلب، فشكر الله له وغفر له`. قالوا: يا رسول الله، وهل لنا أجر في رعاية الحيوانات؟ قال: `في كل كبد رطبة أجر` .