الشعر يعتبر رمزا للجمال ويحظى بشعبية كبيرة بين المحبين والباحثين والمبدعين في الكتابة. وتتميز بلادنا العربية بوفرة الشعراء المبدعين. ومن بين هؤلاء الشعراء المبدعين يبرز الشاعر السوري الرائع، محمد الماغوط، كأحد أهم شعراء العرب. إنه أديب وصحفي محترف مشهور بالأدب السياسي الساخر، ويتميز بقصائده النثرية الجميلة. وقد اخترنا اليوم أفضل قصائده وأشعاره التي اشتهر بها، والتي تحظى بشعبية كبيرة بين عشاقه ومحبي الشعر العربي. فلنتعرف سويا على أهم وأفضل قصائد الشاعر السوري محمد الماغوط خلال السطور التالية .
قصيدة الغرباء
قبورنا معتمةٌ على الرابيه
والليل يتساقطُ في الوادي
يسيرُ بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعالُ الغابات
وحفيفُ العجلات المحطّمه
والأنين التائهُ بين الصخور
ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على ضفة النهر .
أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره
أيها النهر الذي يرافق أبي في غربته
دعوني انطفىء كشمعةٍ أمام الريح
أتألّم كالماء حول السفينه
فالألم يبسط جناحه الخائن
والموتُ المعلقُ في خاصرة الجواد
يلج صدري كنظرةِ الفتاة المراهقه
كأنين الهواءِ القارس .
قصيدة كرسي الاعتراف
والريح تعصف والثلج يتساقط من حولي
جلست في كوخي الشعري المتواضع
ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية
ورحت أنتظر
يا رب…
ساعدني على قول الحق
ومواجهة الواقع
وتحمّل العطش
والجوع
والحرمان
وألا أردّ سائلاً
أو أنهر يتيماً
أو استرداد نفقات الأمل على الأمل.
يد واحدة لا تصفق
إلى الجحيم
ألم تشبعوا تصفيقاً بعد؟
ترميم زهرة
أو اقتحام قاعة
كله سيّان
أسناني بصلابة منجلي
وألتحف حقولي وسنابلي
وأنام على الطوى…
دموعي بعدد أخطائي
وأخطائي بعدد التزاماتي
وشجاعتي بعدد أسلحتي
وتردّدي بعدد جبهاتي
وساعات نومي بعدد كوابيسي
وكوابيسي بعدد وسائدي واتساع بلادي
وبلادي باتساع أرصفتي ودفاتري.
قصيدة القتل
ضع قدمك الحجرية على قلبي يا سيدي
الجريمةُ تضرب باب القفص
والخوفُ يصدحُ كالكروان
ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح
وها نحن نتقدم
كالسيف الذي يخترقُ الجمجمة .. . .
يا جراد المتكاثر على أرضي الرخامية للقصور والكنائس
أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس
المأساةُ تنحني كالراهبه
والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .
كانوا يكدحون طيلة الليل
المومساتُ وذوو الأحذية المدبَّبه
يعطرون شعورهم
ينتظرون القطار العائد من الحرب .
قطار هائل وطويل
كنهر من الزنوج
يئن في أحشاءِ الصقيع المتراكم
على جثث القياصرة والموسيقيين
ينقل في ذيله سوقاً كاملاً
من الوحل والثياب المهلهله
ذلك الوحل الذي يغمرُ الزنزانات
والمساجد الكئيبة في الشمال
الطائرُ الذي يغني يُزجُّ في المطابخ
الساقيةُ التي تضحك بغزاره
يُربَّى فيها الدود
تتكاثرُ فيها الجراثيم
كان الدودُ يغمر المستنقعات والمدارس
خيطان رفيعة من التراب والدم
وتتسلَّق منصّاتِ العبودية المستديره
شرب الشاي وارتداء ربطات العنق ومشابك الشعر
يظهر الدود في كل مكان وينحني ويتلوى مثل العجين ،
القمحُ ميت بين الجبال
وفي التوابيت المستعمله كثيراً
في المواخير وساحات الإعدام
يتم تعبئة شحنة من الأظافر المضيئة وشحنها إلى الشرق
في السهول التي تنبع بالحنطة والديدان
حيث الموتى يلقون على المزابل
كانت عجلات القطار أكثر حنينا إلى الشرق ،
العريس الأكبر في السن يتنفس بصعوبة ويشعر بالتوتر
ويخيط بذيله كالتمساح على وجه آسيا .
كانوا يعدّون لها منديلاً قانياً
في أماكنِ التعذيب
ومروحة سميكة مصنوعة من قشور اللحم في سيبيريا ،
كثير من الشعراء
يشتهون الحبر في سيبريا
قصيدة سرير تحت المطر
الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب
والضجرُ خريفٌ بين النهدين
أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحب في قلبي
من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين
من خلال النسيم البارد
أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .
ظالمٌ أنت يا حبيبي
وعيناك سريران تحت المطر
ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر
ضعني أغنيةً في قلبك
ونسراً حول نهديك
دعني أرى حبك الصغير
يصدحُ في الفراش
أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقة
والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع
لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً
فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير
أنت مولع بشعرك وثيابك ورائحة عطرك الجذابة .
كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي
سواء كنت شهيًا أو فاترًا، فإنني أحبك .
يا صنوبرةً حزينة في دمي
من خلال عينيك السعيدتين
أرى قريتي وخطواتي الحزينة تتخلل الحقول
أرى سريري الفارغ
وشعري الأشقر متهدلاً على المنضدة
اهتم بي كثيرًا، يا ملاك الوردي الصغير
سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً
وخطواتي الكئيبه
تلتفت نحو السماء وتبكي .
قصيدة الليل والأزهار
كان بيتنا غاية في الاصفرار
يموتُ فيه المساء
ينام على أنين القطارات البعيدة
وفي وسطه
تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العارية
تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع
حتى العصافير الحنونة
لا تغرد على شبابيكنا
ولا تقفز في باحة الدار .
وكنت أحبكِ يا ليلى
أكثر من الله والشوارع الطويلة
وأتمنى أن أغمسَ شفتيك بالنبيذ
وألتهمك كتفاحةٍ حمراء على منضده .
.ولكنني لا أستطيع أن أتنهَّدَ بحريه
أن أرفرفَ بك فوق الظلام والحرير
إنهم يكرهونني يا حبيبه
ويتسربون إلى قلبي كالأظافر
عندما أريد الجلوس مع قصائدي في الحانة للسهر
يريدونني أن أشهر الكلمة
أمام الليل والجباه السوداء
أن أجلد حروفي بالقملِ والغبار والجرحى
إنني لا أستطيعُ يا حبيبه
وفؤادي ينبضُ بالعيون الشهل
وبالسهرات الطويلة قرب البحر
أن أبني إمبراطورية لهم، الذي يتصف بالسعال والمشانق
أنا طائرٌ من الريف
الكلمة عندي إوزة بيضاء
والأغنيةٌ بستانٌ من الفستق الأخضر
قصيدة حريق الكلمات
يا شعر، يا خالد الجيفة، لقد تعبتنا منك
لبنان يحترق
يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء
وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه
أحتكُّ بها في الحافله
عن رجل عربي الملامح، أصرعه في مكان ما .
بلادي تنهار
ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل
وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل
وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها .
يا ربة الشعر
أيتها الداخلةُ إلى قلبي كطعنة السكين
عندما أفكر، أنا أتحدث عن فتاة مجهولة بإعجاب
ببلادٍ خرساء
تأكلُ وتضاجعُ من أذنيها
أستطيع أن أضحك حتى يسيل الدم من شفتي
أنا الزهرة المحاربه ،
والنسرُ الذي يضرب فريسته بلا شفقه .
يا أيها العرب، يا جبالًا من الطحين واللذة
يا حقول الرصاص الأعمى
تريدون قصيدةً عن فلسطين ،
عن الفتحِ والدماء ؟
أنا رجل غريب، ينهمر المطر عليّ
وفي عينيَّ البليدتين
أربع شعوب مصابة وحزينة تبحث عن موتها .
كنت جائعاً
وأسمع موسيقى حزينه
وأتقلب في فراشي كدودة القز
عندما اندلعتْ الشرارة الأولى .
أيتها الصحراء … إنك تكذبين
لمن هذه القبضةُ الأرجوانيه
والزهرةُ المضمومةُ تحت الجسر ،
لمن هذه القبورُ المنكّسة تحت النجوم
هذه الرمالُ التي تعطينا
في كل عام سجناً أو قصيده ؟
عاد البارحةَ ذلك البطل الرقيق الشفتين
ترافقه الريحُ والمدافع الحزينه
ومهمازه الطويل ، يلمع كخنجرين عاريين
أعطوه شيخاً أو ساقطه
أعطوه هذه النجوم والرمال اليهوديه