محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، ولد في مدينة بوصير ببني سويف في مصر، واشتهر بمدائحه النبوية، ومن أهم أعماله البردة المسماة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية، حيث حفظ القرآن منذ صغره، وتتلمذ على عدد من العلماء المشهورين في ذلك الوقت، وكان يهتم بقراءة سيرة النبوية ومعرفة أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطى وقته وجهده لمدح النبي عليه الصلاة والسلام
1- قصيدة البردة
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
أَمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا
وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت
به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى
مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني
والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ
إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت
من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره
كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها
كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على
حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ
وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة
من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع
فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ
لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به
وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً
ولم أصل سوى فرض ولم اصم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى
تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ
عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته
إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقلي
ن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفٌ من البحر أو رشفاتٌ من الضباب
وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي ت م معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم
واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
انسبه إلى قدره ما تشاء من العظام
فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً
أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به
حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى
في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ
صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ
وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ
بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ
والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته
في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ
من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ
طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره
يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم
قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ
عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها
ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل
حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ
والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم
تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ
بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
بعد مشاهدتهم للشهب في الأفق
تم إلقاء الصنم في الأرض وتحطيمه
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ
من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ
أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما
نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت
فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة
تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له
من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
لا شيء يضاهي خير وكرم الغار
وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما
وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ
من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به
إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له
قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته
فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ
ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته
وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته
حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها
سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت
ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ
وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى
ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا
عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ
من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ
لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
مهما حاربت، ستعود من جحيم الحرب
أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها
ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ
وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها
ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
2- لا تكن قصيدة ضل النصارى واليهود
بهِمِ عَلَى ُسُبل الهُدَى مَدْلُوُلا
والمدَّعو التثليثِ قومٌ سَوَّغوا
ما خالف المنقولَ والمَعْقولا
والعابدونَ العجلَ قد فُتنوُا به
ودُّوا اتخاذ المُرْسلينَ عجولا
فإِذا أتَتْ بُشْرَى إليهمْ كَذَّبُوا
بهوى النفوسِ وقُتِّلُوا تقتيلا
وكفى اليهودَ بأنهم قد مَثَّلُوا
مَعْبُودَهُم بِعِبَادِهِ تَمثِيلاً
وبأَنَّ إسرائيلَ صارعَ رَبَّهُ
ورمى به شُكراً لإسرائيلا
وبأنَّهم رحَلُوا به في قُبَّة
فعندما توجهوا نحو الشام في رحلتهم، ضل النصارى واليهود، فلا تكن كذلك
3- أسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَة ٍ
فأبى أقلُّ العالمين عُقُولا
قومٌ رأوا بشراً كريماً فادَّعوا
من جهلهمْ للهِ فيهِ حُلولا
وعصابة ٌ ماصدقتهُ وأكثرتْ
بالإفكِ والبهتانِ فيه القيلا
لَمْ يَأْتِ فيهِ مُفْرِطٌ ومُفَرِّطٌ
بالحَقِّ تَجْرِيحاً وَلا تَعْدِيلا
فكأنما جاء المسيحُ إليهمُ
لِيُكَذِّبُوا التَّوْراة َ والإنجيلا
فاعجبْ لأمتهِ التي قد صيَّرتْ
تنزيهها لإلهها التَّنكيلا
وإِذا أرادَ الله فِتْنَة َ مَعْشَرٍ
وَأَضَلّهُمْ رَأوُا القَبِيحَ جَمِيلا
4- قصيدة أزمعوا البين وشدوا الركابا
أزمعوا البين وشدوا الركابا
فاطلبِ الصبرَ وخَلِّ العِتابا
ودنا التَّودِيع مِمَّنْ وَدِدْنا
أنَّهم داموا لدينا غِضابا
فاقْرِ ضَيْفَ البَيْنِ دمعاً مُذالاً
ياأخا الوجدة قلباً مذابا
فمَنِ اللائِمُ صبّاً مَشُوقاً
أَنْ بَكى أحْبابَهُ والشَّبابا
إنما أغرى بنا الوجد أنا
ما حسبنا لفراق حسابا
وَعُرِيْبٌ جَعَلُوا بالمَصَلَّى
كل قلب يوم ساروا نهابا
عَجَباً كيف رضُوا أنْ يَحلُّوا
مِنْ قلوبٍ أحرقوها قِبابا
أضْحَتِ الأرضُ التي جاوَرُوها
يَحْسُدُ العَنْبَرُ منها الترابا
لاتكذب خبراً أن سلمى
سَحَبَتْ بالتُّرْبِ ذَيْلاً فَطابا
وَكَسَتْهُ حُلَلَ الرَّوْضِ حتى
تَوَّجَتْ منها الرُّبَا وَالهِضابا
ابْتَسَمَتْ عَنْ مِثْلِ كأْسِ الحُمَيَّا
نَظَمَ الماءُ عليها حَبابا
سُمْتُها لَثْمَ الثنايا فقالتْ
إنَّ مِنْ دُونِكَ سُبْلاً صِعابا
حرست عقرب صدغي خدي
وَحَمَتْ حَيَّة ُ شَعْري الرُّضابا
وَيْحَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ وَجْنَتَيَّ الـ
ـوَرْد أوْ مِنْ شَفَتَيَّ الشَّرابا
حق من كان لهحب سلمى
شُغُلاً أنْ يَسْتَلِذَّ العذابا
ولمن يمدح خير البرايا
أَنْ يَرَى الفَقْرَ عَطءً حِسابا
وَكفاني باتِّباسثعِي طَرِيقاً
رغب المختار فيها رغابا
كلما أُوتِيتُ منها نَصِيباً
قُلْتُ إني قدْ مَلكْتُ النِّصابا
يا حَبيباً وَشَفِيعاً مُطاعاً
حَسْبُنَا أنَّ إليك الإيابا
لم نقل فيك مقال النصارى
إذ أضلوا في المسيح الصوابا
إنما أنت نذير مبين
أنزل الله عليك الكتابا
بلسان عربي بليغ
أفحم العرب فعيَّت جوابا
يطمع الأسماع فيه بياناً
وسنا طبه على العقل يابا
حَوَتِ الكُتْبُ لُبَاباً وَقِشْراً
وهو حاو من اللباب لبابا
يَجْلِبُ الدُّرَّ إلى سامِعِيه
كلمٌ لم ير فيه اجتلابا
أشرقت أنواره فرأينا الرأ
سَ رَأْساً وَالذُّنابِي ذُنابا
وَرأَى الكُفَّارُ ظِلاَّ فَضَلُّوا
وَيْحَهُمْ ظَنُّوا السَّرابَ الشَّرابا
وإذا لم يصح باعلم ذوق
وجد الشهد من الجهل صابا
كيف يهدي الله منهم عنيداً
كلما أَبْصَرَ حقّاً تَغَابى
وَإذا جِئْتَ بآياتِ صدْقٍ
لم تَزِدْهم بِكَ إلاَّ ارْتيابا
أنتَ سِرُّ الله في الخَلْقِ وَالسِّـ
ـر على العمى أشد احتجابا
عاقب ماحٍ محا الله عنك
بك ما نحذر منه العقابا
خصه الله بخلق كريم
ودعا الفضل له فاستجابا
وله من قاب قوسين ما شر
ف قوسين بذكر وقابا
مِنْ دُنُوٍّ وَشُهُودٍ وَسِرٍّ
بانَ عنه كلُّ وَاشٍ وغابا
وَعلومٍ كَشَفَتْ كلَّ لَبْسٍ
وجلتْ عن كل شمسٍ ضبابا
لم ينلها باكتسابٍ وفضلُ اللـ
ـهِ ماليس ينالُ اكتسابا
وإذا زار حبيبٌ محباً
لاتسل عن زائر كيف آبا
كل من تابعه نال منه
نَسَباً مِنْ كلِّ فضل قِرابا
شرف الأنساب طوبى لأصلٍ
وَلِفَرْعٍ حازَ منه انتسابا
دِينه الحقُّ فدَعْ ما سِواه
وخذ الماء وخلِّ السرابا
جعل الزهد له والعطايا
والتقى والبأسَ والبرَّ دَابا
أنقذَ الهلكى وربى اليتامى
وفَدَى الأسرَى وفَكَّ الرِّقابا
بصر العمى فياليت عيني
مُلِئَتْ مِنْ أَخمَصيَه تُرابا
أَسْمَعَ الصُّمَّ فَمنْ لي بِسَمْعِي
لو تَلَقَّى لفْظَهُ المُستطابا
ودعا الهيجاء فارتاحت السـ
ـمر اهتزازاً والسيوف انتدابا
تطربُ الخيلُ برقع فتختا
لُ إلى الحربِ وتَعْدوا طِرابا
مِنْ عِتَاقٍ رَكِبَتْها كُماة
ٌ لم يخافوا للمنون ارتكابا
كلُّ نَدْبٍ لوْ حَكَى غَرْبَهُ السَّيْـ
ـفُ لَمَا اسْتصحبَ سَيْفٌ قِرَابا
قاطعَ الأهلِينَ في الله جَهْراً
لَمْ يَخَفْ لَوْماً ولم يَخْشَ عتابا
لم يبالِ حين يغدو مصيباً
في الوغى أو حِين يَغْدوا مُصابا
مِنْ حُمَاة ٍ نَصَروا الدِّينَ حتى
أصبح الإسلام أحمى جنابا
رَفعُوا الإسلامَ مِنْ فوقِ خيْلٍ
أَرْكَبَتْ كلَّ عُقَابٍ عُقابا
خضبوا البيض من الهام حمراً
ما تَزالُ البِيضُ تَهْوَى الخِضابا
لم يريدوا بذكورٍ جلوها
لِلحُرُوبِ العُونِ إلاّ الضِّرَابا
أَرْغَمَ الهادي أُنُوفَ الأَعادي
برضاهم وأذلَّ الرقابا
فأطاعته الملوك اضطراراً
وأجابته الحصونُ اضطرابا
وصناديدُ قُرَيْش سَقاها
حَتْفَها سَقْيَ اللِّقاحِ السِّقابا
حَلَبُوا شَطْرَيْهِ في الجودِ والبَأْ
سِ فأَحْلَى وأَمَرَّ الحِلابا
وجَدُوا أخْلاَفَ أخْلاَقِهِ في الخِصْـ
ـبِ والجدبِ تعاف الخصابا
درُّها أطيبُ درٍّ فإن أمـ
ـكنك الحلبُ فراعِ العِطابا
جَيَّشَ الجَيْشَ وسرى السرايا
ودعا الخيلَ عقاقا عرابا
وهْوَ المَنْصُورُ بالرُّعْبِ لو شا
ءَ لأغنى الرعب عنها ونابا
لو تَرى الأَحزابَ طاروا فِراراً
خلتهم بين يديه ذبابا
أَوَلَم تَعجبْ له وهوَ بَحْرٌ
كيف يَسْتَسْقِي نَدَاهُ السَّحابا
كانتِ الأرض مواتاً فأحيا
بالحيا منها المواتَ انسكابا
نزعتْ عنها من المحلِ ثوباً
وكَستْها مِنْ رِياضٍ ثيابا
سَيِّدٌ كيفَ تأَمَّلْتَ معنا
هُ رَأتْ عَيْناكَ أَمراً عُجابا
من يزرهُ مثقلاً بالخطايا
عادَ مَغْفُورَ الخطايا مُثابا
ذكره في الناسِ ذكرٌ جميلٌ
قال للكونينِ طيبا فطابا
وسِعَ العَالمَ عِلْماً وجُوداً
فدعا كلاً وأرضى خطابا
فَتَحَلَّتْ منه قَوْمٌ عُقُوداً
وتحلَّت منه قومٌ سِخابا
ليتني كنتُ فيمن رآهُ
أتقى عنهالأذى والسِّبابا
يومَ نالتهُ بإفكٍ يهودٌ
مثلما استنبحَ بدرٌ كِلابا
فادْعُني حَسَّانَ مَدْحٍ وزِدْني
إنني أحسنت منه المنابا
يارسول الله عذراً إذا هِبْـ
ـتُ مقاماً حقه أن يهابا
إنني قُمْتُ خَطيباً بِمَدْحِيـ
ـك ومن يملك منه الخطابا
وتَرَامَيْتُ به في بِحارٍ
مُكْثراً أمواجَها والعُبابا
بقوافٍ شُرِعتْ لأعادي
وجَدُوها في نفوسٍ حِرَابا
هُمْ بجَّلُوهُ بِباطِلٍ فابْتَزَّهُ
أعداؤُه بالباطلِ التَّبْجِيلا
ويَنَامُ مِنْ تَعَبٍ وَيَدْعُو رَبَّهُ
زُمراً ألم ترَ عِقدها محلولا
هُوَ آدَمٌ فِي الفَضلِ إلاَّ أنهُ
لَمْ يُعْطَ حال النَّفخة ِ التَّكْمِيلا
قصيدة جميلة تسمى `أريح الصبا` كتبها الشاعر زهير بن أبي سلمى
فأصبح منها كل قطرٍ مطيبا
أم الرَّاحُ أهْدَتْ للرِّياحِ خُمارَها
فأشكرَ مسراها الوجودَ وطيبا
ألَمْ تَرَني هِزَّ التَّصابي مَعاطِفي
وراجَعَني ما راقَ مِنْ رَوْنَق الصِّبا
فمن مخبري ماذا السرور الذي سرى
فلا بد حتماً أن يكون له نبا
فقالوا: أَعاد الله للناسِ فَخْرَهُمْ
ولياً إلى كل القلوب محببا
فقلت: أَفَخْرُ الدينِ عثمانُ؟ قال لي:
نعم!؟ قل له مرحبا وأهلاً وسهلاً
وقال الوَرى لله دَرُّكَ قادِماً
سُقينا به من رحمة الله صيبَّا
ونادى منادٍ بينهم بقدومه
فَرَهَّبَ منهم سامعين ورَغَّبا
فأوسعهم فضلاً فآمن خائفاً
وأنصفَ مظلوماً وأخصبَ مجدبا
وقد أخَذَتْ منه البسيطة ُ زِينَة
ً فَفَضَّضَ منها الزهرَ حَلْياً وذَهَّبا
فرحة الدنيا وأهلها يا لها من فرح
بِيَومٍ له مِنْ وَجْهِ عثمانَ أعربا
وشاهد منهُ صُورة ً يُوسُفِيَّة
يفاخر بها في الجمال والقوة وهي في موكب
مفوضُ أمرِ العالمين لرأيه
فكان بهم أولى وأدرى وأذربا
أعيدوا على أسماعِنا طيبَ ذِكْرِهِ
لِيُطْفِيءَ وجْداً في القلوب تَلَهَّبا
ولا تحجبوا الأبصار عن حسن وجهه
فقد كان عنها بالبعاد محجبا
وَلِيٌّ إذا ضاقتْ يَدِي وَذكَرْتُه
مَلَكْتُ نِصَاباً أوْ تَوَلَّيْتُ مَنْصِبا
استنجد به في كل ما تطلبه
فكم نلتُ منه بالتوسُّلِ مَطْلَبا
وعِشْ آمِناً في جاهِهِ إنَّ جاهَهُ
لقصَّاده راضَ الزمانَ وهذَّبا
تَغَرَّبْتُ يَوْماً عَنْ بِلادي وزُرْتُه
فنلت غنى ً ماناله من تغربا
على أنني ما زِلْتُ مِنْ بَرَكاتِه
غياً وفي نعممائه متقلبا
فلا بد أنْ يَرضى عليه وَيَغْضَبا
وكُنتُ لما لَمْ يَرْضَهُ مُتجنِّبا
ولا كان دِيناري مِنَ النُّصح بَهرَجاً
لديه ولا برقى من الودِّ خلبا
أمولاي أنسيت الورى ذكرَمن مضى
وأغنى نداك المادحين وأتعبا
ولِي أدبٌ حُرٌّ أُحَرِّمُ بَيْعَه
وما كان بيع الحرِّ للحُرِّ مذهبا
وقد أهجرُ العذبَ الزلالَ على الصدى
إذَا كَدَّرَتْ لي السَّمْهَرِيّة ُ مَشْرَبا
وأنْصِبُ أحياناً شِباك قَناعَة
ٍ أصيدُ بها نوناً وضباً وجندبا
ومَهْما رآني شَاعِرٌ مُتَأَسِّدٌ
تَذأبَ منها خِيفَة ً وتَثَعْلَبا
أراقب من عاشرت منهم كأنني
أراقبُ كلباً أو أراقبُ عقربا
كأني إذَا أَهدِيهمُ عَنْ ضَلالِهِمْ
أُبِصِّرُ أعمًى أوْ أُقَوِّمُ أَحْدَبا
فلا بُورك المُسْتَخْدَمون عِصابَة
ً فكم ظالمٍ منهم عليَّ تعصبا
يَسُنُّ لَهُ ظُفْراً وناباً ومِخْلَبا
يغالِطُني بعضُ النَّصارى جَهالة
ً إذ أوجب الملغى وألغى الموجبا
ومَا كانَ مَنْ عَدَّ الثَّلاثَة وَاحداً
بأعلمَ مني بالحساب وأكتبا
وما الحقُّ في أفواهِ قومٍ كأنها
أوَانٍ حوَتْ ماءً خَبيثاً مُطَحْلَبا
مُفَلَّجَة ٍ أسنانُها فكأنها
أصاب بها الزنجار أحجارَ كهربا
كأن ثناياهم من الخبث الذي
تحَصْرَمَ في نِيَّاتِهِمْ وتَزَبَّبا
عجبتُ لأمرٍ آل بالشيخُ مخلصاً
إلى أن يُعرَّى كاللصوصِ ويُضربا
بَكَيْتُ لهُ لَمَّا كَشَفتُ ثيابَه
وَأبْصرتُ جسماً بالدِّماءِ مُخَضَّبا
وَحلَّفتُهُ بالله ما كانَ ذَنْبُه
فأقْسَمَ لي بالله ما كانَ مُذْنبا
ولكن حبيبٌ راح فيَّ مصدقاً
كلام عدوٍ مايزال مكذبا
فقلت: ومن كان الأميرُ حبيبَه
فلابد أ، يرضى عليه ويغضبا
فصبراً جميلاً فالمقدر كائنٌ
كان أمرًا لم تجد منه مفرًا
فإبليسُ لَمَّا كانَ ضِدّاً لآِدمٍ
تَخَتَّلَ في عِصْيَانهِ وَتَسَبَّبا
وقد كانت العقبى لآدم دونه
فتاب عليه الله مِنْ بعدُ وَاجْتبى
وَمِنْ قبلِ ذَا قد كنتُ إذ كنتَ ذاكِراً
نَهَيْتُكَ أنْ تَلْقَى الأميرَ مُقَطِّبا يدة أريحُ الصبا هبتْ على زهرِ الربا