تقع مدينة طاطا على بعد مسافة 200 كيلومتر من مدينة تارودانت، وتعتبر وجهة سياحية مهمة في جنوب المغرب، حيث تحيط بها واحة هائلة من أشجار النخيل التي تغذيها الأنهار والوديان والشلالات الرائعة. كما تشتهر طاطا بالعديد من القصور والمنازل التقليدية للبربر، وتظهر تراثها الأثري الغني حضارة البربر التي انتشرت في المغرب وأفريقيا لعدة قرون. والبقايا الموجودة من العصر الحجري القديم هي إرث لا يقدر بثمن للمدينة، لذلك سنتعرف في هذا المقال على بعض المواقع التاريخية الهامة في المدينة.
موقع وجغرافية مدينة طاطا
تعود أصل تسمية المدينة “طاطا” حسب بعض السكان إلى موقعها الجغرافي المميز، وكانوا في البداية يقولون عنها “ئتاتا” بمعنى التردد، وتغير اللفظ بعد ذلك إلى “طاطا”، وكانت معروفة تاريخياً بـ”أسيف ن ولت” بمعنى “وادي النوبة.
يبلغ عدد سكانها 181611 نسمة، ما بين العرب والأفارقة السود، والأمازيغ، و تمتد على مساحة قدرها 25925 كلم مربع، يتميز إقليم طاطا المحدث بتاريخ 19 يوليوز سنة 1977 بموقعه الجغرافي الفريد من نوعه على محور سياحي استراتيجي يمر عبر الصحارى والواحات، توجد طاطا في الجنوب الشرقي للمملكة داخل النفوذ الترابي لجهة كلميم السمارة، إذ يحدها إقليما تيزنيت وتارودانت في الشمال الغربي، والحدود الجزائرية المغربية في الجنوب، وإقليما كلميم وأسا الزاك في الجنوب الغربي، وإقليما ورزازات وزكورة في الحدود الشمالية الشرقية، و تبعد طاطا عن مدينة أكادير 330 كيلومترا، و تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 300 كيلومتر، تتميز بمؤهلاتها الطبيعية والعمرانية الخلابة، ما يعطي للمنطقة مؤهلات سياحية ممتازة ويتوفر هذا الإقليم الصحراوي على مئات الواحات التي تحظى بإعجاب كبير من طرف السياح الأجانب الوافدين على المغرب، كما يعتبر موقع الإقليم نقطة عبور تتفرع منها أهم المسالك السياحة الرئيسية بالأقاليم المجاورة.
تتميز المدينة بتراث ثقافي وفني وتاريخي وصناعة تقليدية فريدة تستحق الاهتمام، ويمكن التعرف على أبرز المعالم التاريخية والطبيعية في طاطا.
المآثر التاريخية في مدينة طاطا
تمتلك المدينة تراثا ثقافيا غنيا وهي واحدة من أقدم مراكز الحضر البشري في المغرب حيث استوطن الإنسان فيها منذ قرون طويلة، ويؤكد ذلك النقوش الصخرية والأدوات الحجرية الموجودة في المدينة حتى اليوم. كانت طاطا أيضا واحدة من أهم محاور التجارة القديمة في الصحراء واستمرت في القيام بدورها حتى القرن التاسع عشر الميلادي. تتميز المدينة أيضا بوجود العديد من الزوايا والمدارس العتيقة التي ازدهرت فيها الحركة العلمية في الماضي، حيث تم نشر تعاليم الإسلام وعلوم القرآن والسنة والفقه والأدب فيها. يأتي الطلاب من جميع الأماكن للحج إلى هذه المدينة. ومن بين هذه الزوايا، زاوية الشيخ ماء العينين وسيدي علي بوجبيرة في جماعة أم الكردان، والمدرسة العتيقة في تكموت بجوار ضريح سيدي دانيال، والذي يعد من المزارات الهامة لسكان المنطقة. هناك تضارب في الآراء حوله، فبعضهم ينسبه إلى أحد الأولياء وبعضهم يقول أنه قبر النبي دانيال.
تحتوي المدينة على العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تم العثور على كميات كبيرة من الأدوات الحجرية القديمة مثل السكاكين ورؤوس الرماح والسهام والمنحوتات الصخرية والكهوف المأهولة.
من مميزات المدينة كذلك النسق المعماري العريق والتراث الثقافي و التاريخي الشاهد على مراحل تاريخية مهمة مرت على طاطا، كالصوامع التي ما زالت أطلالها شامخة في آقا، والأحياء اليهودية في آقا كذلك و تازارت والدور مثل دار الحاج بورحيم بتسينت، و المعروفة بدار شارل دوفوكو الراهب والقسيس الكاثوليكي الفرنسي التي تشتهر بتراثها المعماري و نقوشها الجميلة، وقصبة تاداكوست بتمنارت، بالإضافة إلى مزارات المواسم والأضرحة مثل مقام سيدنا دانيال بتكموت الذي ذكرناه في وقت سابق.
تتميز طاطا بوجود الحصون على شكل قلاع ذات أبراج متعددة الطبقات والغرف المختلفة التي كانت تستخدم لتخزين الحبوب والمجوهرات والحلي والأشياء الثمينة. كما تستخدم هذه الحصون لأغراض دفاعية لحماية السكان من الهجمات، بالإضافة إلى القصور والقصبات التي كانت تستخدم أيضا كأساليب دفاعية في الحروب بين القبائل. وتشمل أهم هذه المنشآت قصبة السلطان التاريخية التي تقع على الضفة اليمنى لوادي طاطا، مقابل دوار تييتي جنوب مدينة طاطا، وقصبة الجباير التي تقع في قرية الجباير على بعد 20 كيلومترا من المدينة والتي تم بناؤها في القرن السابع عشر الميلادي على يد سيدي علي بن أحم.
يوجد في المدينة صومعتين قديمتين هما صومعة الرحالة وصومعة القصبة، حيث تقع صومعة الرحالة وسط مسجد دوار الرحالة في جماعة سيدي عبد الله بن مبارك، وتشبه في تصميمها صومعة المنارة بمراكش، وتعود تاريخ بنائها إلى الفترة الموحدية أو السعدية، بينما تسمى صومعة القصبة حصن شيخ القبيلة، وتوجد في دوار قصبة سيدي عبد الله بن مبارك، وتشبه تصميمها صومعة حسان بالربا.
هناك حوالي 130 موقعا للرسومات الصخرية، وهي تؤرخ للماضي البشري القديم، وتشمل مواقع مثل تيسينت وفم الحصن وتيكان وجماعة تمنارت وأم العلق بآقا وغيرها. تقع هذه المواقع على طول جبل باني ونهر درعة، وتحمل تجمعات صخرية مختلفة الأشكال تحمل رسوما أو نقوشا قام بها الإنسان القديم باستخدام أدوات حادة مصنوعة من الحجارة، ويعود تاريخها إلى فترة قد تزيد على 5000 سنة قبل الميلاد. تتضمن هذه الرسوم حيوانات مثل الفيل والزرافة والثور والوحيد القرن والغزال، وتشير إلى وجود الغابات في المنطقة في فترة ما قبل التاريخ. يعتبر موقع تونزوين الأثري واحدا من أهم المواقع التاريخية في شمال إفريقيا، ويستحق الزيارة من قبل هواة الأماكن التاريخية الغنية بالتراث الثقافي. يتوافد عليه العديد من السياح والمسافرين على مدار العام.
مدينة تامدولت التاريخية
يعتبر موقع مدينة تامدولت التاريخية، والتي تقع على بعد 13 كيلومترا من مدينة آقا، واحدا من أهم المواقع التاريخية التي شهدت حكم أربعة دول متعاقبة في المغرب، وتلك الدول هي الأدارسة والمرابطون والموحدون والمرينيون. تأسست المدينة في القرن التاسع الميلادي على يد عبد الله بن دريس، وكانت مركزا تجاريا مهما يربط بين المغرب وإفريقيا. كما كانت معروفة بوجود مناجم للزنك والنحاس والفضة، وكانت أسوارها وأبراجها تعتبر قلعة ومركزا للمراقبة العسكرية. يقال أنها تعرضت للتدمير من قبل المرينيين في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي، ومع ذلك، هناك من يؤكد أن المدينة دمرت خلال الصراعات الداخلية بين سكان المنطقة، ويكرر البعض الآخر أن محمد أوعلى أمنصاك رفض الاستسلام للمرابطين وأمر بتدمير المدينة. هناك عدة دلائل تشير إلى أن تامدولت فقدت أهميتها بعد تأسيس مدينة عكا في القرن السادس/الثالث عشر، وبالتالي فقدت بريقها واختفت من السجلات التاريخية. الآن، لا تبقى منها سوى بقايا أطلال. ومع ذلك، يزورها الكثير من المغاربة وحتى السياح الأجانب، وتتمتع منطقة إسافن التابعة لإقليم طاطا بتراث تاريخي وثقافي غني، وتحتوي على مجموعة من المواقع الأثرية المهمة مثل القصور والمدارس والحصون وغيرها..
مؤهلات طبيعية في مدينة طاطا
واحاتها وقصورها الشامخة منذ القدم و وجودها على مفترق نهرين، جعلها من المناطق المميزة في المغرب، حيث تتوفر على مجال جغرافي جبلي وصحراوي يمنح متعة كبيرة لمحبي المغامرة والاستكشاف، غطاؤها النباتي معظمه من السهوب والشجيرات الشوكية وأشجار المناطق الشبه صحراوية كالسدرة وأشجار النخيل، ومناخها شبه صحراوي وقاري جاف، فهي تعرف درجة حرارة مرتفعة خلال الصيف، وقد تصل إلى 45 درجة مئوية، في حين تنخفض في فصل الشتاء.
بالإضافة إلى ثرواتها المائية الغنية سواء السطحية منها أو الجوفية، والشلالات والوديان الرائعة الموجودة في تسينت مثلا “شلال العتيق” و “واد المالح” و مغيميمة و اكوليز و آقا نايت و دوار إكمير في تمنارت الخ..وتعتبر واحات جماعة اكينان من أجمل الواحات بإقليم طاطا، تحيط بها الجبال و يخترقها واد اسمه “أسيف نوكينان”، كما يوجد في تزغت حامة معدنية يتوافد عليها سكان طاطا والمدن المجاورة للاستجمام والتداوي من بعض الأمراض الجلدية.
تتميز طاطا بالعديد من المؤهلات التاريخية والطبيعية الخلابة، مما جعلها مقصدًا سياحيًا يتوافد عليه السياح بشكل كبير ودائم، كما تشتهر طاطا بمجموعة راقصات فلكلورية مشهورة في المغرب، بما في ذلك رقصة أحواش والطرب الحساني والكدرة وغيرها، بما في ذلك الرقصات الصحراوية والأمازيغية.
مهرجانات ومواسم مدينة طاطا
تتمتع المنطقة بشهرتها ومهرجاناتها الاقتصادية والفنية التي تجري على مدار العام، مثل موسم سيدي عبد الله بن مبارك بآقا، وموسم الولي محمد بن يعقوب بإمي نتاتلت، وموسم محند بن إبراهيم التامانارتي، وموسم قبيلة ئبركاك، وموسم ئداوتينست بإسافن. ومن بين أبرز المهرجانات في المدينة، يأتي مهرجان الواحة لفنون أحواش في جماعة أيت وابلي، ومهرجان قصبة سيدي عبد الله بن مبارك بآقا. كما تعرف المدينة بـ `مهرجان الفضة`، حيث يتم تنظيم معرض للمجوهرات والحلي الفضية، بما في ذلك القطع التاريخية التي تم صنعها منذ عقود. يبرز المهرجان مهارة الحرفيين التقليديين في المدينة، ويقام أيضا مهرجان سينما الواحة، وهو حدث ثقافي وفني يستقطب مجموعة من الوجوه المعروفة في مجال السينما والتلفزيون في المغرب. كما يتم عقد المعرض الإقليمي للمنتجات المحلية التي تشتهر بها إقليم طاطا وجهة سوس ماسة بشكل عام، مثل التمور والزعفران والأركان وعسل النحل. ينظم هذا المعرض بواسطة المديرية الإقليمية للفلاحة بطاطا، ويشهد مشاركة كبيرة من المزارعين والمهتمين بقطاع الزراعة.