أشكال التقنية التي تستخدم في دراسة علم الآثار
أصبحت علم الآثار عملا دقيقا ومعقدا بعدما كان عبثيا، ويتأثر الآن بعدة جوانب علمية وعملية، حيث يسعى علماء الآثار اليوم إلى اكتشاف آثار الماضي باستخدام أحدث الأساليب العلمية.
يستفيد علم الآثار، مثل جميع العلوم، من الوسائل العلمية التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، ولذلك، على مر السنين، تم ابتكار العديد من الأجهزة الآلية التي أصبحت ذات فائدة كبيرة في مجال العمل الأثري، حيث تقلل التكاليف والجهد وتقصر الوقت أيضًا.
التقنيات المستخدمة في دراسة علم الآثار
منذ فترة طويلة، أدرك علماء الآثار أنه يجب أن يتعاون علم الآثار مع مجموعة من العلوم الاجتماعية والطبيعية المتجانسة، من أجل تحقيق أهدافه. ويحتاجون إلى وجود حلول للمشاكل التي تتداخل مع نشاطهم ولا يمكنهم حلها بمفردهم. ولذلك، في الآونة الأخيرة، توجه علماء الآثار إلى العلوم الحديثة للمساعدة في عملهم وتسهيله، ولتوفير الوقت والجهد وتوفير العمالة.
وهذا التوجه يحدث منذ القرن الماضي حين ركز العلم بحوثه على مواد غير ملموسة، وخاصة الموجات الكهرومغناطيسية والأشعة السينية والكونية وغيرها في تجربة مستمرة للاستفادة منها، والتي أثبتت فيما بعد أهمية التكنولوجيا الحديثة في اكتشاف الآثار، وتشمل
التصوير الجوي
يُعَدُّ التصوير الجوي من أقدم الطرق المستخدمة لاكتشاف المواقع الأثرية، وقد يظل هذا النوع من البحث الأثري هو الأهم لاكتشاف مواقع جديدة.
وأدى التصوير الجوي إلى نتائج مذهلة في مجال التنقيب عن الآثار، وكان أول من نادى بذلك عالم الآثار “فليندرز بيتري”، الذي حاول في ذلك الوقت التغلب على صعوبة الوصول إلى الطائرة من خلال وضع كاميرا في طائرة ورقية لتصوير الموقع بصور عشوائية يقوم بدراستها، ومع زيادة انتشار الطائرات، عدت إحدى الطرق الأساسية لمحاولة الكشف عن الآثار.
هذه الطريقة ذات فائدة كبيرة في تحديد المواقع الأثرية، حيث يمكننا رؤية أشياء من الجو لا يمكن رؤيتها من الأرض. عندما تكون الحقول مغطاة بالنباتات، فإن النمو يكون أقل كثافة في المناطق التي تحتوي على آثار دفن عميقة. من المفترض أن تتيح الصور التي تلتقطها الطائرة تحديد اتجاه الجدران المدفونة بشكل جيد، وتكشف الصور الجوية الملتقطة من الأعلى المظهر الكامل للموقع غير المرئي من الأرض.
التصوير بالأشعة تحت الحمراء
تستطيع الأشعة تحت الحمراء اختراق الأجسام بقدرتها، حيث تعتمد قوة الاختراق على كثافة الجسم المستهدف وقدرتها على إظهار ما بداخله، لذلك فإن التصوير بالأشعة تحت الحمراء يكشف كل شيء مدفون تحت الأرض أو غير واضح بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجردة أو تصويره بالوسائل التقليدية والكاميرات.
تعطي الأشعة تحت الحمراء سجلاً دقيقًا لحالة الآثار بجميع تفاصيلها، ولذلك تم استخدام هذه الأشعة في مجال العمل الأثري للكشف عن بعض الطبقات التي يحتمل وجودها تحت الطبقة السطحية للآثار التي تحتوي على بقايا أثرية.
جهاز كشف المعادن
يُعتبر هذا الجهاز من أكثر الأجهزة استخدامًا من قِبَل علماء الآثار للبحث عن الأشياء المصنعة، ويُفضَّل استخدامه في التقسيمات الشبكية، ويُستخدم بشكل أساسي لاكتشاف الأشياء، وخاصةً الأجسام المعدنية التي تكون على عمق يصل إلى حوالي 26 سم.
يمكن استخدام هذا الجهاز لفحص المناطق قبل استخدام التقنيات الجيوفيزيائية الأخرى التي تركز على المعادن التي يمكن استخراجها من باطن الأرض وتأخذ بعين الاعتبار، ويمكن لهذا الجهاز أن يزود بأدلة على المواقع السفلية مثل القبور، لذلك يستخدم كجزء من مسوحات أوسع.
تقنيات التحسس عن بعد
يشير التحسس عن بعد إلى مجموعة من الأساليب والوسائل العلمية التي تمكن من الحصول على معلومات حول أهداف محددة من مسافة بعيدة دون الاتصال بالهدف المدروس، وذلك باستخدام أجهزة الاستشعار أو الصوت أو التصوير.
يمكن تعريفه تقنيًا على أنه علم وفن دراسة أو تحديد هدف أو ظاهرة بدون الحاجة إلى الاتصال المباشر مع ذلك الهدف أو الظاهرة، حيث يتم ذلك من خلال دراسة الأشعة أو الكهرومغناطيسية التي تنعكس عن ذلك الهدف أو الظاهرة وتحمل خصائصها المراد دراستها.
تتميز هذه التقنيات والأجهزة بعدم وجود تأثير مدمر على البحث والتنقيب عن المواقع الأثرية، لذا لها فوائد واضحة عند التنقيب عن الآثار، وخاصة عندما يكون هناك قيود على الموارد الأثرية.
الأقمار الصناعية
شهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي وبدايات القرن الحالي ثورة حقيقية في أنظمة المعلومات الجغرافية، حيث ظهرت تقنيات إلكترونية متقدمة مثل نظام المعلومات الجغرافية (GIS) ونظام GPS الذي يستخدم لتحديد المواقع وغيرها.
تُعَدُّ هذه الطريقة من الوسائل الحديثة في مجال اكتشاف الآثار، ومع تطور الأقمار الصناعية، أصبح من السهل الآن معرفة ما يوجد في باطن الأرض، وحتى رسم خريطة لها.
بشكل عام، يمكن الاعتماد بشكل أساسي على برنامج Google Earth في إصداراته الحديثة، وهو برنامج مجاني في الغالب. يوفر هذا البرنامج صورا بدرجات وضوح متفاوتة وعلى ارتفاعات مختلفة عن سطح الأرض. وعلى الرغم من بساطة هذه الصور مقارنة بالأقمار الصناعية المتقدمة، فإنها فتحت الباب وساهمت في الدراسات الأثرية بشكل عام وفي عمليات التنقيب عن الآثار.
المواقع الأثرية
عند البحث عن علم الآثار، ستجد أنه مجال متنوع للدراسة، ويركز معظم علماء الآثار على منطقة معينة من العالم أو موضوع محدد للدراسة، ويسمح التخصص لعلماء الآثار بتطوير خبرتهم في موضوع معين.
ويهتم معظم العلماء في مجال الآثار بالفرعين الأساسيين لعلم الآثار، حيث يتم التركيز على دراسة البقايا البشرية، والكائنات الحية، والنباتات القديمة، والأدوات الحجرية، وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، يتخصص البعض في استخدام التقنيات التي تساعد على اكتشاف المواقع الأثرية، وتوثيقها، وتحليلها لفهم دور الآثار في التواصل بين الماضي والحاضر .
الموقع الأثري هو أي مكان توجد فيه بقايا مادية لأنشطة بشرية سابقة، وهناك أنواع عديدة من المواقع الأثرية، فالمواقع الأثرية في عصور ما قبل التاريخ هي تلك التي ليس لها سجل مكتوب ، وقد تشمل القرى أو المدن والمحاجر والفن الصخري والمقابر القديمة والمعسكرات والآثار الحجرية الصخرية.
يمكن أن يكون الموقع صغيرًا مثل كومة من الأدوات الحجرية المتكسرة التي تركها صياد ما قبل التاريخ، أو يمكن أن يكون الموقع كبيرًا ومعقدًا مثل المستوطنات البشرية في الجنوب الغربي الأمريكي قبل التاريخ.
المواقع التاريخية والأثرية هي تلك التي يستطيع علماء الآثار استخدامها في أبحاثهم، ويمكن أن تشمل هذه المواقع المدن الحديثة ذات الكثافة السكانية العالية، أو المناطق النائية بعيدا عن سطح النهر أو البحر، وتشمل مجموعة واسعة من المواقع التاريخية والأثرية مثل حطام السفن وساحات المعارك وأماكن العبيد والمقابر والطواحين والمصان.
حتى أصغر المواقع الأثرية قد تحتوي على معلومات هامة. فعندما تضع مقدمة وخاتمة عن علم الآثار، ستجد أن التحليل المبني على القطع الأثرية يساعد في التعرف على الأشخاص الذين صنعوها واستخدموها.
القطع الأثرية غير المحمولة، التي تسمى الميزات أيضا، تعتبر مصادر هامة للمعلومات في المواقع الأثرية. تشمل هذه الميزات أشياء مثل بقع التربة التي تشير إلى مواقع حفر التخزين أو الهياكل أو الأسوار. أما الآثار البيئية، فهي بقايا طبيعية مرتبطة بنشاط الإنسان، ويمكن أن تساعد بقايا النباتات والحيوانات علماء الآثار في فهم أنماط النظام الغذائي والحياة.