أسس اختيار الصديق في الإسلام
الأسس التي يتم على أساسها اختيار الصديق
يقولون إنه يجب أن تختار الصديق قبل الطريق، وهذا يشير إلى أهمية اختيار الصديق المناسب والوفي الذي لا يخون ولا يغدر ولا يؤذي صديقه. وفي الإسلام، هناك أسس لاختيار الصديق بما يتوافق مع شرع الله ومراد الله من الخلق
- الأساس الأول أن يكون صالح
من معايير اختيار الأصدقاء التي قد تختلف من شخص إلى آخر، هي أن يكونوا صالحين، ولكن في الإسلام، تشترط أسس اختيار الأصدقاء الصلاح بالمفهوم الإسلامي.
ومعنى الصلاح في الإسلام هو ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 116]، وعطف تعالى بالآية (117) بعدها، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، ومن الآيات تتضح أهمية الصلاح في الدين الإسلامي.
إن اختيار الصديق الصالح في الإسلام هو أمر بالغ الأهمية، فالشخص المصفى في الإسلام هو الشخص الذي يحافظ على فروضه ويمارسها، ويبتعد عن الفساد والضلال والانحراف، وينهى عن الفحشاء والمنكر، ويحاول قدر الإمكان تجنب الذنوب التي تؤثر على الآخرين.
- الأساس الثاني أن يكون أمين
الأساس الثاني من أسس اختيار الصديق في الإسلام هو الأمانة، وقد جاء في القرآن: “يا أيها الذين آمنوا، لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم” [الأنفال: 27-28]، ويتضح من هذه الآيات أهمية الأمانة
الأمانة لها أشكال متعددة، بما في ذلك الأمانة المالية والسرية والعرض والكلمة وغيرها، ويجب علينا أن نبحث عن الأصدقاء الأمناء الذين لا يخونون الأمانة في العمل ولا يتخلىون عن مسؤولياتهم أو يأخذون ما لا يحق لهم.
كما أن الأمانة في حفظ أسرار الآخرين مهمة جدًا، فإذا كتمت سرًا لشخص ما، فسيكون هو الأيضا كاتمًا لسرك، والعكس صحيح، والأمانة أيضًا في إعادة ما ائتمنه الناس عليه، سواء كان ذلك مالًا أو أمرًا معنويًا، مثل الزوج والزوجة، فمن لا يحترم الأمانة في علاقته مع شريك حياته أو أولاده، فلن يحترم الأمانة في علاقته مع الأصدقاء.
- الأساس الثالث أن يكون ناصح
لا يكفي أن يكون الصديق صالح في نفسه، ولا يهتم بأمر صديقه، وأن يكون أمين في نفسه، ولا يكترث بصاحبه، هنا يكون ناقص لشرط هام وهو النصح، فالنصح أمر مهم، ويجب على الصديق أن ينصح صديقة إذا رأى منه اعوجاج أو فساد، أو رآه على ذنب، أو وجده مقدم على خطأ، أو أي أمر يستحق فيه النصح والإرشاد.
ورد في رواية البخاري (57) ومسلم (56)، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قوله: `بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم` .
ذكر تميم الداري رضي الله عنه في حديث نقله مسلم (55) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: `(الدين النصيحة)`، قلنا: لمن؟ قال: `(لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)`.
- الأساس الرابع الوفاء
أن الوفاء بين الأصدقاء مهم بشدة، بغض النظر عن مدى بعدهما أو مدة فصلهما، وعليهما الحفاظ على العهد والوفاء بينهما، حتى إذا مات أحدهما، يظل الآخر وفيا لذكرى الصديق المتوفى وأسرته، ويذكره في حياته بالدعاء الجميل، وفي وفاته بالدعاء له
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكُفُّوا أيديكم`، وهذا الحديث رواه أحمد والحاكم وصححه ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال: `فيه إرسال`.
حديث الرسول عن حسن اختيار الصديق
للرسول صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث حول الصداقة والأصدقاء وقد رواها الرواة عنه، ومن تلك الأحاديث:
– فقد قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: للمتحابين في جلالي منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.
– عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل فقال يا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعْلمته؟ قال: لا، قال: أعْلِمه. قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وفي سنن الترمذي وأبي داود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: `المرءُ على دين خليله، فلينظرْ أحدكمْ مَنْ يُخالِل`، كما قال: `لا تُصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يَأكُل طعامَكَ إلا تقيًا`، رواه الترمذي وأبو داود وأحمد.
أجمل ما قيل في اختيار الصديق
نظرا لأن اختيار الصديق شأن مهم، فإنه من الصعب أن يترك أي فن من الفنون دون التعبير عن كيفية اختيار الصديق الحقيقي، وكذلك الحديث عن اختيار الصديق في بقية الفنون، ومن أروع ما قيل في اختيار الصديق، ما يلي:
إذا ما اصْطَنَعْتَ امرَأ فلْيَكُنْ
كريمَ النّجار شريفَ النَّسَبْ
فَنَذل الرِّجالِ كَنذلِ النَّباتِ
فلاَ للثِّمارِ ولا للِحَطَبْ
إذا غَدا مَلِكٌ باللَّهوِ مُشتَغِلاً
فاحكُمْ على مُلكِهِ بالوَيْلِ والحَرَبِ
أمَا ترى الشَّمسَ في المِيزانِ هابِطةْ
لّما غَدا بُرْجَ نَجمِ اللَّهْوِ والطَّرَبِ
أما أبو العلاء المعري فقد قال:
إِذا صَاحَبتَ في أَيّامِ بُؤسٍ
فَلا تَنسَ المَوَدَّةَ في الرَخاءِ
وَمَن يُعدِم أَخوهُ عَلى غِناهُ
فَما أَدّى الحَقيقَةَ في الإِخاءِ
وَمَن جَعَلَ السَخاءَ لِأَقرَبيهِ
فَلَيسَ بِعارِفٍ طُرُقَ السَخاءِ
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
لا خير في ودِّ امرءٍ متملقٍ
حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاه يحلف أنه بك واثقٌ
وإِذا توارى عنك فهو العَقْرَبُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ً
وَيَرُوغُ مِنْكَ كما يَروغُ الثَّعْلَبُ
واختَرْ قَرِيْنَك واصْطَفِيهِ مُفَاخِرا
إِنّ القَرِيْنَ إلى المقْارَنِ يُنْسَبُ
إنَّ الغنيَّ من الرجال مكرمٌ
وتراه يرجى مالديه ويرهب
وَيُبَشُّ بالتَّرْحِيْبِ عِندَ قُدومِهِ
ويقام عند سلامه ويقرب
واخفض جناحك للأقارب كلهم
بتذللٍ واسمح لهم إن أذنبوا
صفات الصديق الصالح
وكما تم شرحه سابقًا، فإن صلاح الصديق كان من بين الأسس الأساسية لاختيار الصديق في الإسلام. وبالتالي، يتعين على الصديق أن يكون صالحًا، ويتم التعرف على صفات الصلاح التي يجب أن يتمتع بها الصديق.
يتميز الصديق الصالح بعدم ارتكابه الكبائر والمعاصي مثل السرقة والزنا، وليس من سماته الفخر بها، وعندما يقع في الخطأ فإنه يستتر، كما أنه لا يتحدث بالفحش ويحفظ لسانه، ويحترم حق والديه.
ومن صفات الصديق الصالح، الصدق، وقول الحق، والخشية من الله، والابتعاد عن الغواية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقبول النصيحة، وإعطاء النصيحة، والدعاء لصديقه، ومؤازرته في همومه، ومشاركته في أفراحه، والتغافل عن أخطاء الصديق ما دامت ليست في حق الله، والإقبال ببشاشة، وحفظ السر، والوفاء بالعهد والوعد.
من صفات الصديق الصالح أنه لا يتجاوز صديقه في الخطأ والظلم والفساد، ولا يخاف في الحق لومة لائم، بل يعيد صديقه للصواب ويجيره ويسانده، ولا يتخلى عنه ما استطاع، ويفزع لفزعه.