ما اسباب الانحراف عن الفطرة الانسانية
ولد كل ابن ادم على فطرة الانسانية ، وهي الفطرة التي خلق عليها الانسان ، ففطرة الانسان لا تنفصل عن ذاته الخارجية او الداخلية ، لانها تعتبر بداية معرفة ، وشعور ، واحساس الفرد بالحياة ، ولكن تعمل التغييرات الحادثة في بيئة الفرد على جعل تلك الفطرة تميل عن الطريق السوي كحب المال ، او حب الحياة ، او حب الولد ، وغيرها.
تعمل بعض العوامل على جعل الإنسان ينفر من ذكر الأشياء الصحيحة مثل ذكر الموت، فتجده يبكي عند ذكر الموت رغم أنه لم يختبره، ولكن هذا الميل يجعله يشعر بالنفور من تلك الأشياء. وهناك عدة أسباب ودوافع تدفع الإنسان للانحراف عن الفطرة التي خلقه الله بها
النفس البشرية
وتعتبر النفس من اهم الاسباب وان لم يكن اخطرها في التحكم في سلوك الانسان، فهي التي تعمل على تحديد سلوك الانسان ، ووضعه في نصاب الطريق ، ففي رواية أحد الصحابة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان اذا قرأ قوله تعالى “قد أفلح من زكاها” ، أتبعها بقوله “اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وزكها فأنت خير من زكاها”.
هذا يعد دليلا قويا على أن النفس لديها القدرة على أن تقود صاحبها إلى الهلاك أو تنقذه، وقد ذكر القرآن الكريم أن النفس تعرف الطريق إلى التقوى تماما كما تعرف الطريق إلى الفجور، والزهد منحها القدرة على تجاوز الفجور والتمسك بالتقوى، ومن هنا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن النفس لها دور مهم في تحديد مصير الإنسان، ولا يجب التهاون عندما نقول إنها العدو الأول للإنسان، فهي قادرة على زرع الغرائز السيئة في الإنسان وتصحيحها وجعلها شخصية مستقيمة.
الشيطان
أظهر لنا الله من خلال آياته في القرآن الكريم أن الشيطان هو عدو لنا، وذلك منذ بداية الخلق، فكما كان سببا في انحراف سيدنا آدم عن أمر الله، وهو ساكن في جنته، فلن يدخر جهدا أيضا في إبعادنا عن أوامر الله ونحن في أرضه، حيث يقسم علينا ويبعدنا عن الطريق المستقيم، وأكدت آيات الله أن الشيطان لا يمتلك سلطة علينا، وذلك عندما نتوكل على الله، فقرار الانحراف في البداية يكون بيد الشخص نفسه.
الشهوات
من منا لم ينجرف في طريق الشهوات ، والمعاصي فنحن كبشر لسنا معصومين من الخطأ ، والانجراف في اتجاه الملذات الدنيوية ، ولكن اذا لم يتم التحكم في تلك المشاعر الغير صائبة فنحن بذلك نؤدي بأنفسنا الى التهلكة ، حيث يحدث انحراف للشخصية خاصة اذا كانت هذه الشخصية مريضة ، لا تستطيع التحكم في اندفاعاتها ، فتبقى حبيسة للخطأ ، وكباقي دوافع الانحراف ذكرت الشهوة ايضا في القران ولكن بمصطلح “الهوى” ، واوصانا الرسول الكريم ايضا بمجانبة الهوى ، أي مخالفته ، لان الهوى يدعو الي العمى ، أي الى الضلال في الدنيا والاخرة.
وفي إحدى روايات الإمام علي “رضي الله عنه” يقال إن الله يرحم النفس التي تحرر نفسها من شهوتها، وتكبح هواها، فذلك يجعل النعمة تدوم أطول.
معنى الانحراف
يعرف الانحراف في اللغة باعتباره الميل والانحراف والتعدي على الطريق المرغوب، والاختلال مع قواعد ومعايير المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يعتبر رمزا للخزي والعار الذي يلتصق بالأفراد الذين يرتكبون أفعالا غير ملتزمة، وتلك الأفعال تبعدهم عن الجماعات السليمة ويؤدي بهم إلى الانبعاث والخروج عن حدود المجتمع، أي الانحراف عن التسامح العام .
وفقًا لتعريف الانحراف في الشريعة، فهو الابتعاد والتجاوز الفطرة السوية واتباع طريق الضلال المنبوذ الذي حذرنا منه الله ورسوله، وبالتالي فإنه يعني الانقياد للطبيعة الإنسانية دون حدود.
تعتبر الشخصية المنحرفة تلك التي تفسد النظام وتعرقل اتباعه، وتتسبب في الضرر الذي يؤثر على المصلحة الشخصية والعامة، ويتم النظر إليها بهذا الشكل من قبل الآخرين.
تعتبر جميع السلوكيات الخاطئة مجرد نتيجة لجهود متعمدة لتدمير عقل الإنسان وطبيعته وسلبه من إنسانيته.
وضح الله لنا في سورة “الإنسان” أننا ما هي إلا نطفة مختلطة، أي مزيج من المادة والروح. ثم أعطانا الله إرادة التوجيه للخير والشر، أي قدرتنا على التحكم في أفعالنا وتحديد مسار الروح، سواء كان طريق الخير أو طريق الفساد. فالقرار يعود إلى النفس، حتى يمتحننا الله في الصعاب، وبإرادتنا نختار بين الاستقامة والانحراف.
يرجع أصل طبيعتنا الإنسانية إلى الاستقامة والخير والإصلاح، وليس الانحراف والشر والفساد، ومع ذلك، فإنه حسب طبيعتنا، فإما أن نسعى ونتجه نحو الشهوات أو نتجنبها، والاختيار متروك لنا، وعلى أية حال، يتعارض الانحراف مع الفطرة والحدس، ولكنه لا يمكنه مخالفة الإرادة والطبيعة الإنسانية.
مراحل الانحراف عن الفطرة
لا يحدث انحراف عن الطبيعة الإنسانية فجأة، فنحن بطبيعتنا نولد كبشر بفطرة سليمة خالية من الشوائب. وبالنسبة للغرائز الفطرية المكتسبة، فهي أيضا سليمة. الفرق بين الغريزة والفطرة ليس كبيرا، فكلاهما يعملان على حمايتنا وجذبنا نحو الاستقامة. ويتم توضيح الفرق فيما يلي
- تعتبر التربية السليمة هي العامل الاساسى الاول في حماية النفس من الانجراف الى طريق الانحراف، فبارشاد الاباء للابناء يعدل الابناء دائما الى الطريق الصحيح، فالتربية السليمة هي اساس الصلاح واساس الحفاظ على الفطرة السوية، ولذا فان فقدان هذا العنصر الاساسي يكون بداية الطريق الى الانحراف.
- يعمل المجتمع الفاسد أيضًا على تسهيل الانحراف، مهما كانت نفس الإنسان سليمة، فالشخص الذي يعيش في بيئة صالحة ليس كالشخص الذي يعيش في بركة من الفساد، مثل انتشار الخمور والفساد.
- تفتح الظروف الحياتية السيئة الباب أيضًا أمام صاحبها لاتخاذ طرق الانحراف، فقد يجبر الفقر صاحبه في بعض الأحيان على ارتكاب أفعال لا تتناسب مع طبيعته، مثل السرقة على سبيل المثال.
ومع ذلك ، لا يجب على الفرد تبرير نفسه ، لأن الانحراف ليس قضية قدر ، بل هو خيار يقوم به شخص ذي إرادة وعقلية كاملة ، وفي النهاية ستتحمل هذا الانحراف عواقبه صاحبه. لذا يجب على الأشخاص الذين ينحرون بسبب الضرورة أن يعيدوا النظر في أنفسهم حتى لا ينجروا بشكل كامل ولا يجدوا طريق العودة. أما بالنسبة لأولئك الذين ينحرون بمجرد الانحراف ، فهم الذين وصفهم رب العزة بأنهم `أئمة الكفر` فلا يكون هذا الانحراف لديهم هدفا ، بل يساعدون أيضا في إضلال الناس. لذا لا يقل وصفهم عن وصف إبليس ، فهم يقومون بعملهم ، فكما يسعى إبليس لجعلنا نبتعد عن سبيل الله المستقيم ، فهؤلاء الذين يسلكون سبيل الانحراف بلا هدف يسلكون نفس الطريق .
في النهاية، يجب على كل شخص أن يراجع خطواته ويقيم أعماله ويحكم على أفعاله قبل أن يأتي اليوم الذي يتم فيه الحكم عليه. وهنا يكون قد فات الأوان. وعلى كل راعي أن ينتبه إلى رعيته ويتحلى بسلوك حسن تجاههم، حتى لا ينحرفوا عن الفطرة الإنسانية الطبيعية التي فطرنا عليها .