أجمل قصائد الشاعر ادريس جماع
إدريس محمد جماع، الشاعر السوداني، ولد في مدينة حلفاية الملوك عام 1922م وتوفي عام 1980م. حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية من دار العلوم في مصر، وحصل على دبلوم التربية. كما تخرج من كلية دار العلوم وعمل كمدرس في معهد التربية بمدينة شندي شمال الخرطوم، ثم انتقل إلى مدينة الدويم. بعد ذلك، انضم إلى معهد المعلمين بالزيتون في مصر، وعاد إلى السودان عام 1952 وعمل كمعلم في معهد التربية بشندي، ثم انتقل إلى مدرسة الخرطوم .
مختارات من قصائد إدريس جماع
أنت السماء
أعلى الجمال يشعر بالغيرة منا، فما عليك إذا نظرنا؟
هي نظرة تتجاوز الوقار وتفرح الروح المعنوية
أنتَ دُنياي وفرحتي ومنى الفؤاد إن تمنَّيتَ
أنت السماء التي ظهرت لنا واستعصمت بالابتعاد عنا
يا ليت رحمتَ متيماً عصفت به الأشواق هنا
فاستحضرت الذكريات فأتت مع الليل مغنية وتغني
من خلال جمالك، هزته وغنى بها عندما غنى
يا شعلةً طافتْ خواطرنا حَوَالَيْها وطــفنــا
أنـسـت فيكَ قداسةً ولــمستُ إشراقاً وفناً
ونظـُرتُ فـى عينيكِ آفاقاً وأسـراراً ومعـنى
تكلم عهودًا في الصبا واسألها كيف كنا
كم كانت سهلة لقاؤنا، وظللنا في حالة طهارة
ذهـبَ الصـبا بعُهودِهِ ليتَ الطِـفُوْلةَ عـاودتنا
رحلة النيل
النيل من نشوة الصهباء سلسلة وساكنو النيل سمار وندمان
تُجيب أشجان على خفقات الموج، وتتفاعل أشجان من القلوب
كل الحياة كربيع مشرق جميل في كل جانبيه وكل العمر فصل الربيع
الأجداد يسيرن في واديهم الحالم ومحاطين بموكب من العطور الفواحة
للخمائل شدو يصدح في جوانبها ويصدى في أعماق النفس
عندما يكون النيل يعانق شواطئه والليل هادئا، ستكون صمت الليل هو الأذنين
حتى عندما يطل عليها الفجر المشرق، تستقبله بأغانٍ وألحان
نزل النور من آفاقه طربًا، واستقبلته الروابي وهو نشوان
تدفق النيل من علياء ربوته يحدو ركاب الليالي وهوعظيم السرعة
لم يتم الكشف عن طول السري يومًا وقد دفنت على المدارج لمدة طويلة
تنبعث من روضة عذراء ضاحكة سحرًا يروي به كل مغني في إيوان
” حيث الطبيعة تزهو في شرخ الصبا وتمتلك من المفاتن أترابًا وأقرانًا
يتميز المكان بوجود شفق زاهي وسهول نضيرة وآكام وقيعان
ورب واد كساه النور وليس له غير الأودية الضيقة والجيران
وحينما يكون هناك سهل من الماء، تثبت به أسراب الطيور والفرد الوحيد
يمكن رؤية الكواكب في صفحة زرقاء في الليل إذا تم إغلاق الزهر
وفي حمي جبل الرجاف، ميدان مختلب للناظرين والأهوال
إذا استيقظ الجبل المخيف، ستخضع له الأغنياء وستتحول الألوان إلى الذعر
فالوحش يتأرجح بين الذهول واليأس والحيرة والعدوانية
ما الذي حدث في جبل الرجاف؟ انطلقت في باطنه نيران وانهمرت الحمم
هل ثار حين رأى قيدا يقيده على الثروة فتمشى فيه النيران
ويتدفق النيل كلحن أرسله المزامير بإحساس الوجدان
عندما يرى الخرطوم مونقة ويتعرض للاهتزازات والأشجان
وصف الموج في الشطين أغنية تتضمن الألم والأنين والحرمان
تعانق الأزرق والدفاق ويمتزجان كروحٍ مزج الصهباء نشوانًا
وحشة الليل
ماله يقظي الشجون فقاست، وحشة الليل واستثار الخيال
ماله في مواكب الليل يمشي *** ويناجي أشباحه والظلال
سهلة لتستخف بها ابتسامة الطفل … قوية تتحدي الأجيال
حاسر الرأس عند كل جمال ***مستشفى من كل شيء جميل
المجنون الذي كسر القيود وصار صوفيا، قضى حياته في نشوة وتضرع
خلقت طينة الأسى وغشتها *** نار وجد فاصبحت صـــلصـــالا
ثم صاح القضاء كوني فكانت *** طينة البؤس شاعرا مثالا
يغني مع الرياح عندما تغني، فيتأثر بجمالها وتلالها
صاغ من كل ربوة منبرا يسكب فيه الأحزان الطويلة على أذنه
هو طفل يبني القصور بالرمال، وآماله تملأ رمالك
يشبه تبخر العطر من العود للناس *** وينفد ويحترق ويشتعل
لقاء القاهرة
أألقاكِ في سحركِ الساحرِ
مُنًى طالما عِشْنَ في خاطري ؟
أحقّاً أراكِ فأروي الشعورَ
وأسبحَ في نشوةِ الساكرِ ؟
وتخضلَّ نفسي بمثل الندى
تَحدّرَ من فجركِ الناضر
تُخايلني صورٌ من سناكِ
فأمرحُ في خفّة الطائر
تُخايلني خطرةً خطرةً
فما هيَ بالحُلُم العابر
ويحملني زورقُ الذكرياتِ
إلى شاطئٍ بالرؤى عامر
غدًا نلتقي وغدًا أجتلي
مباهجَ من حُسنكِ الشاعري
وأُصغي فأسمع لحنَ الحياةِ
في الروض في فرحة الزائر
وفي ضجّة الحيِّ في زحمة الطْـ
ـطَريقِ وفي المركب العابر
وفي القمر المستضامِ الوحيدِ
تُخطّئه لمحةُ الناظر
تطالعني بين سحر الجديدِ
تهاويلُ من أمسكِ الغابر
وتبدو خلاصةُ هذا الوجودِ
من عهد «مينا» إلى الحاضر
سألقاكِ في بسمةٍ كالربيعِ
وما شاء من حُسنه الآسر
يُقسّم بهجتَه في النفوسِ
ويُطلق أجنحةَ الشاعر
وينفخ من روحه جذوةً
تَشعّعُ في مُجتلى الناظر
ويُسمعني نبضاتِ الحياةِ
في الطَلّ في الورق الثائر
صنعتُ البشاشةَ من روضكَ الْـ
بهيجِ ومن نفحه العاطر
وصُغتُ من الزهر من طيبهِ
سجايا من الخُلُق الطاهر
شبابٌ شمائلُه كالمدامِ
تَوقّدُ في القدح الدائر
وتكمن في روحه قُوّةٌ
كمونَ التوثُّبِ في الخادر