أثر السياسة النقدية على النمو الاقتصادي
محددات النمو الاقتصادي
يرتبط نجاح السياسة النقدية بالنمو الاقتصادي، حيث يمكن أن تؤثر على حجم النشاط الاقتصادي الفعلي، ولكي تنجح السياسة النقدية بشكل جيد، يجب أن يتم تنفيذها بشكل منطقي ومقبول، وتوجد في المدرسة النقدية العديد من النماذج القياسية التي يمكن تطبيقها لقياس وتحليل السياسة، وتؤثر السياسة النقدية على النمو الاقتصادي من خلال المتوسطات السعرية، ويرون خبراء الاقتصاد في هذا السياق أن الشركات تتأثر بتغيرات السوق، وتعمل على تعديل سلوكها للتكيف مع التغيرات التي تطرأ في السياسة النقدية.
كما أن النمو الاقتصادي لا يعتبر عملية سهلة المنال ، حيث تؤثر العديد من التغيرات و الأزمات على مسار النمو الاقتصادي ، وهو ما يؤدي إلى حدوث تحول في الموارد التي يتم تخصيصها ، ومن ثم قد يؤدي ذلك إلى انكماش النشاط الاقتصادي الكلي ، الأمر الذي يترتب عليه تعطيل رأس المال ، وزيادة نسبة البطالة بالتالي يمكن القول أن السياسة النقدية تتأثر بشكل كبير بمحددات النمو الاقتصادي ، حيث تؤثر التغيرات التي تطرأ على نمط السياسة النقدية المستخدم ، و بالتالي يظهر سلوك الأفراد ، والشركات وعليه يتم تحديد اتجاه النمو الاقتصادي وفق هذه المتغيرات ، وما إذا كان النمو سيصعد أم سيهبط وفق تأثير السياسية النقدية.
كيف تحقق القطاعات المصرفية النمو الاقتصادي
تتحدد سياسة البنوك المركزية وفقا لأدائها، وتشمل إدارة التضخم ومنع ارتفاع معدلات البطالة والحد من الركود والتضخم الاقتصادي. تأتي الهدف الثالث للسياسة النقدية في تنفيذ إجراءاتها في القطاع المصرفي والبنوك، وتشمل تعزيز أسعار الفائدة التي تتميز بمجموعة من السمات، أهمها أن تكون معتدلة وطويلة المدى.
و تقوم بعض الحكومات بتحديد معدل التضخم الذي يصل إلى 2% ، و يكون اتجاه هذه الحكومات نحو تحديد معدل بطالة طبيعي ، يجب أن يتراوح بين 3.5 ، وبين 4.5 ، حيث تسعى الحكومة من خلال هذه المعدلات إلى تحقيق اقتصاد وطني ، يكون معدل نموه مقدر بنحو 2% إلى 3% في الناتج المحلي الاجمالي.
ومن أهداف السياسة النقدية أيضاً ، التأثير على عمليات الإنتاج ، و إدارة الأسعار ، والطلب ، فضلاً عن تأثيرها على العمالة ، ولكل سياسة نقدية هدف محدد باختلاف انواع هذه السياسات ، حيث يكون هدف السياسة النقدية التوسعية هو تحقيق نمو الاقتصاد ، في حين تؤدي السياسة النقدية الانكماشية إلى بطئ عجلة النمو الاقتصادي.
تقوم القطاعات المصرفية، أي البنوك، بتنفيذ ما يعرف بالسياسة النقدية، وهي تعتمد على مجموعة من الإجراءات والاتصالات التي يقوم بها البنك المركزي، حيث يكون هدف هذه العمليات هو إدارة السيولة النقدية، وتشمل السيولة النقدية مجموعة من وسائل الائتمان والنقد والشيكات وكل ما يتعلق بإدارة صناديق الاستثمار في سوق المال، ويعد الائتمان أهم هذه العمليات، حيث يشمل نظم القروض وإدارة السندات، بالإضافة إلى الرهون العقارية.
تعتمد المصارف المالية على السياسة النقدية التي تلعب دورا مهما في زيادة السيولة النقدية وتعزيز النمو الاقتصادي. تعتمد البنوك المركزية على معدلات الفائدة والاحتياطي المصرفي وعدد السندات الحكومية لتحقيق رصيد يساعدها في تحقيق النمو الاقتصادي. تستخدم البنوك آليات السياسة النقدية لتحديد قدرتها على المنح.
تأثير السياسات النقدية على الاقتصاد
تأثير السياسة الانكماشية
هناك نوعان من السياسات النقدية، حيث يعتمد النوع الأول على استخدام البنوك المركزية لتنفيذ السياسة النقدية الانكماشية، والتي تهدف إلى تقليل معدل التضخم. تعمل السياسة النقدية الانكماشية أيضا على تقليل الكمية النقدية المتوفرة، حيث يكون دورها تقييديا من خلال تنظيم حجم الأموال التي تقدمها البنوك كقروض. تفرض البنوك أسعار فائدة مرتفعة، مما يجعل التمويل عبر القروض مكلفا. وبالتالي، لن يتحفز الأفراد أو الشركات على الاقتراض من البنوك، مما يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي بشكل كبير.
تأثير السياسة التوسعية
تستخدم البنوك المركزية سياسة نقدية توسعية تساعد على تنفيذ هدف النمو الاقتصادي عبر خفض معدلات البطالة، كما تساعد هذه السياسة على تجنب الركود الاقتصادي، وتزيد من نسبة السيولة النقدية التي تمكن البنوك من إقراض الأموال الطائلة.
كما تقوم البنوك بعد تفعيل أسلوب السياسة التوسعية ، بخفض أسعار الفائدة ، وهو ما يعمل على قلى تكلفة القروض ، وهذا الأمر يكون مشجع ومرغوب يه من قبل الشركات ، ومن قبل الأفراد ، حيث تقترض الشركات من البنوك ، بهدف استغلال اموال القرض في عمليات شراء المعدات والآلات المطلوبة ، وتوظيف العمالة التي سيعتمد عليها.
بالإضافة إلى توسيع أنشطتها التجارية وعملياتها، تساهم السياسة التوسعية ذات الفائدة المنخفضة في تشجيع الأفراد على اقتراض الأموال لشراء الأصول المالية غير المتنقلة مثل العقارات والسيارات وكل المنتجات المصنعة من قبل الشركات. وبالتالي، يتحقق النمو الاقتصادي من خلال السياسات النقدية من خلال تسهيل حركة الاقتراض وبالتالي زيادة نسبة الإنفاق الاستهلاكي التي تحقق في النهاية النمو الاقتصادي.
الأزمات و السياسة النقدية
دائما ما تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة، وفي حالة حدوث أزمات مفاجئة مثل الأزمة المالية العالمية، تقوم الحكومات بإدارة السياسة النقدية التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد الدولي. وبالتالي، تحاول الحكومات بشكل كبير تنظيم سياساتها النقدية لتتناسب مع الوضع الاقتصادي الجديد، وتؤثر على الناتج المحلي الإجمالي بأدوات السياسة النقدية، وذلك لمنع حدوث التضخم أو الركود وتسريع حركة النمو الاقتصادي.
تماما كما حدث في فترة إدارة أزمة كوفيد 19، التي أثرت بشكل كبير على النمو الاقتصادي، توجهت المؤسسات المالية نحو التحكم في السياسة النقدية من خلال أسعار الفائدة، حيث قامت بعض الدول بتخفيض الفائدة نتيجة لتداعيات هذه الأزمة. كما قامت المؤسسات بإعادة فتح المنشآت والأسواق بهدف التعافي السريع من هذه الأزمة وتحفيز النمو الاقتصادي مرة أخرى. وبالتالي، يوجد علاقة وثيقة بين أدوات وأهداف السياسة النقدية بشكل عام والنمو الاقتصادي. ولا يقتصر الدور على السياسة النقدية فقط، بل يتطلب أيضا توافق السياسة المالية مع الرؤية الوطنية للدولة.